بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخوتي الكرام
وسط هذا الخضم الهائل والتركيز
الإعلامي والفني والأدبي على أغاني الحب وقصص الغرام وأفلام العشق والهيام،
مع تهيئة سائر وسائل الفتنة والجذب بين الطرفين، من اختلاط غير مراقب ولا
محدود بين الجنسين في عز سن التوهج الغريزي والعاطفي، وأزياء مغرية فاتنة،
وفنون ماجنة وغناء داعر وقدوات فاسدة، وتمجيد للعلاقات المحرمة، وتعسير
للزواج وهو المنفذ الطبيعي الحلال لمثل هذه العواطف، مع كل هذا نجد أن أعظم
فتنة يتعرض لها الشباب في هذا الزمن هي مشكلة الحب والجنس، سواء بالوقوع
فيها، أو بالضغط العصبي الكبير الواقع على الأتقياء منهم في محاولة
اجتنابها...
لا نستطيع أن ننكر ان الحب والانجذاب
نحو الجنس الآخر بحد ذاته عاطفة فطرية غريزية زرعها الله تعالى في النفوس
البشرية لتحقيق هدف عمارة الأرض وحفظ النوع وترابط المجتمعات..... إلخ..
والإسلام –دين الله تعالى الوسطي- لم
ينكر هذه العاطفة ولم يقمعها، وإنما وجهها الوجهة الصحيحة، فجعل لها منفذا
حلالا يكون تفريغها فيه مثمرا نافعا للمجتمع، بانيا للأسرة مقويا لعلاقات
الأفراد فيها، ومعينا لهم على تحمل أعبائهم ومسؤولياتهم فيها، وسهل لهذا
الطريق الحلال كل السبل بأن حث الشباب على الزواج إن استطاعو الباءة، وحث
أولياء البنات على عدم عضلهن والمسارعة في تزويجهن إذا أتاهن من يرضون خلقه
ودينه، وحث على تخفيف المهور.... وووو... وغير ذلك من سبل التسهيل....
ومن ناحية أخرى سد منافذ الحرام...
فأمر بغض البصر للطرفين، وأمر المرأة باللباس الساتر، ونهى عن الخلوات،
ونهى عن الخضوع بالقول، وعن الحديث بين الجنسين بكلام غير المعروف، وغير
ذلك من أبواب سد الذرائع....
فما وضع الشباب هذه الأيام من هذه التعاليم الشرعية، وما موقفهم من هذه الفتن المتلاطمة من حولهم، وما دورنا نحن....
الشباب اليوم، تحت تأثير كل
الملابسات المذكورة أعلاه، ما إن يبلغ مرحلة الشباب حتى يبدأ رحلة البحث عن
قصة حب يعيشها، ويتمتع فيها بكل ما يراه ويسمعه حوله من لهيب المشاعر
ودفئها وجمالها وعذابها... فتراه يدخل الجامعة وعيونه متلفتة حوله بحثا عمن
يعجب بها أو تعجب به، قبل أن يلتفت إلى جدول محاضراته، فإن لم يجد في
محيطه من تبدو عليها مخايل فتاة الأحلام المنشودة، بحث عنها في مكان آخر،
كالمنتديات والانترنت والنوادي وغيرها من محافل يغشاها الجنسان ويلتقيان
فيها بلا حدود ولا ضوابط...
ومما يؤسف له أن هذا أيضا حال
كثير من الشباب الذي يسمي نفسه ملتزما، يأتي إلى هذه النقطة وينسى التزامه
وخوفه من ربه، ويبقى الفرق بينه وبين غير الملتزم، أنه يسارع لإيجاد
المبررات الشرعية لما يفعل، وإقناع الطرف الآخر بها...
ينسى الملتزم من هؤلاء أن أي تبادل
للعواطف أو حتى تلميح لها من خلال الرسائل أو الأحاديث الهاتفية أو
الانفرادية في الجامعة أو على الكورنيش أو غيرها يدخل تحت معنى الخضوع
بالقول المنهي عنه، ومخالف لأمر الله بقول المعروف "ولا تخضعن بالقول فيطمع
الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا" "ولا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا
معروفا"..
وينسى الملتزم أن لقاءه أو اتصاله
بالفتاة دون علم أهلها أو على خلاف رغبتهم وإرادتهم هو نوع من الخيانة
والغدر، وتشجيع الفتاة على عصيان ولي أمرها، وينسى الملتزم أن اقترابه من
الفتاة وتشجيعه لها على التقرب إليه –مع علمه بعدم قدرته على الزواح منها
–على الأقل في وقتهما الحالي- هو تشجيع على المنكر، وتعاون على الإثم
والعدوان، وفتح لأبواب الفتن والشيطان، فنبي الله يوسف عليه السلام، وهو
نبي معصوم، عندما عُرض عليه الجمال والشباب خشي على نفسه ودعا ربه قائلا:
"إلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن" فمن ظن بنفسه العصمة أكثر من نبي الله ابن
نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله، فلا يبال ولا يكترث، وليقترب من الفتن
كما يشاء.....
والحقيقة أنه لولا هذا الضغط
الإعلامي والفني والتوجيهي والاجتماعي الفظيع في تزيين هذه النقطة وإلهاب
مشاعر الشباب نحوها في كل لحظة، لما كان إلحاحها عليهم بمثل هذه الصورة
التي نراها الآن، ولا شغلت من تفكيرهم حيز الأولوية...
وتجاهل هذه المشكلة والتصرف كأنها
غير موجودة، هو بلا شك نوع من دفن الرؤوس في الرمال، وإنما الصواب فهمها
ومعالجتها ومحاولة وضعها وإرجاعها ثانية لإطارها الشرعي الصحيح، بحيث نغنم
خيرها ونتقي شرها
فعلينا أن نعي وندرك في تعاملنا مع الشباب ولدى توجيههم النقاط التالية:
1- أن كل شاب وشابة يبحثون ويتطلعون للعيش في قصة حب رومانسية تماثل ما يبشر به الإعلام والفن والأدب.
2- أن المجتمعات المختلطة –خاصة في
الجامعة- وأسلوب التعامل المنفتح غير المضبوط بين الجنسين يجعل الأمر سهلا
وملحا جدا ومقاومته في غاية الصعوبة، لذا علينا ألا نشجع أبدا أبدا على
الانخراط في المجتمعات المختلطة وشلل الأولاد والبنات.
3- أن أبواب الفتن المفتوحة من لباس فاتن وأغان داعرة وسلوكيات مغرية تجعل مقاومة هذا أمرا عسيرا جدا..
4- أن انتشار هذا الامر يجعله يبدو هو الوضع الطبيعي، ويجعل من لا يمارسه يبدو شاذا أو معقدا، أو يُعير بأنه لا تجارب له ولا خبرة..
5- أن انتشاره حتى بين فئة –من يسمون بـ- الملتزمين يجعل القدوة الحسنة غائبة تماما، ويجعل الخطاب الشرعي مع الشباب عسيرا جدا...
والرسائل التي نريد إيصالها للشباب من خلال موقعنا، تتلخص في النقاط التالية:
1- الإلحاح على
فكرة أن الحب الحقيقي والدائم والمستمر هو الحب الذي ينشأ بعد الزواج..
وبيان ذلك من خلال القصص الواقعية والمقالات الادبية والشعرية، لمقاومة
الإعلام الفاسد الذي يزين الرذيلة ويشوه الفضيلة، ويحبب الحرام ويبغض
الحلال...
2- الحب دون زواج، وبنية التسلية وزيادة الخبرات أو تمضية الوقت، أو الحب من أجل الحب.... حرام.
3-
أن الحب لا يتولد فجأة هكذا، بل يبدأ بإعجاب، يتحول إلى انجذاب، ثم يتحول
إلى حب، وتحوله من مرحلة الانجذاب إلى الحب يكون بفعل الإنسان، بتفكره
بالشخص الآخر، وتتبعه لأخباره، ومراقبته، والاتصال به، ولقائه، والخلوة به،
ودوام التفكير به، وتسهم الموسيقى والغناء والشعر وغيرها في تنمية هذا
الشعور وإذكائه، لذا فمن كان يعلم من نفسه عدم القدرة على الزواج، أو
استحالة اقترانه بمن انجذب إليه/ها، فعليه أن يبتعد عن كل هذه الأفعال حتى
لا يتحول انجذابه إلى حب، وينتهي بقلب محطم.. وليعلم أن الانجذاب الخارج عن
إرادته لا يحاسب عليه، ولكن أفعاله الأخرى التي تنمي هذا الانجذاب هي التي
يحاسب عليها "اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك"
4- أما إن شعر
الشاب بانجذاب نحو فتاة معينة، وكان مستعدا للزواج، فليدخل البيوت من
أبوابها، وليتقدم لأهلها، ليتمتع بحبه في الحلال وفي النور.
5- إن شعرت
الفتاة بانجذاب نحو شاب معين، وعلمت أنهما متناسبان، فالصواب أن تبادر
بمصارحة أهلها، علهم يوسطون من يلمح للشاب ويحثه على التقدم لها، ولها في
قصة سيدنا موسى عليه السلام مع ابنة شعيب أسوة حسنة، فإن تم المراد فبها
ونعمت، وإلا علمت ألا أمل فحمت نفسها وقلبها من التحول من مجرد انجذاب إلى
قصة حب أليمة من طرف واحد.... وحافظت على قلبها طاهرا نقيا خاليا لابن
الحلال الذي قسمه الله تعالى لها... "وفي السماء رزقكم وما توعدون"..
6- إن كان
الشاب قد بلغ مرحلة الحب فعلا، ولا يستطيع الزواج، فعليه أن يعف نفسه،
ويصبر ويحتسب، ويستعين بالله، ولا ينجرف مع هواه فيما يغضب الله عز وجل..
7- إن عانى
الشاب من تجربة حب فاشل، أو رفضته المحبوبة أو أهلها، فليعلم أن الزمان
كفيل بمسح الجراح، وأن الإنسان قد رزق نعمة النسيان، فلا يحاول سجن نفسه في
ذكرياته المؤلمة، بل يبحث عن زوجة صالحة يتمتع معها بالحب الحلال. ولا يلح
على هذه العلاقة التي علم أنها لن تنتهي بالزواج، لأن هذا سيقوده للوقوع
في المعصية.
8- أن تجارب
الحب الفاشلة لا تترك ذكريات جميلة، بل بالعكس، إنها تترك جراحا غائرة
ومؤلمة، فليس أشد ألما على النفس من شعورها بالرفض ممن تحب، أو بالحرمان
منه، لذا فليحصن الإنسان قلبه ولا يتركه مفتوحا لكل فرصة سانحة، بل يحاول
حراسته والسهر عليه لحمايته، حتى يحين وقت شغله بالحلال، حين يكون مستعدا
للزواج.
9- الرغبة في
الوقوع في قصة حب رومانسية، مع عدم الاستعداد للزواج، لأن الحب نفسه سعادة
وشعور لذيذ، خطأ كبير ووهم، لأن الحب عاطفة متأججة لا تهدأ ولا ينطفي
أوارها، وتحرم صاحبها الهدوء وراحة البال حتى يجد لها تفريغا، فإن كان
التفريغ الحلال غير ممكن، قادته وألحت عليه للتفريغ الحرام، فيقع في الزنا
والزواج العرفي وغيرها من مصائب، فإن كان تقيا وتجنب هذا، حولت حياته لجحيم
من الحرمان والعذاب والشقاء.
10- تعتقد
الفتاة أنها يمكن أن تعيش قصة حب عذري مع الفتى، والواقع أن طبيعة تعبير
الرجل عن حبه لا يمكن إلا ان تكون بصورة حسية، لذا لا يمكن أن يصدق انها
تحبه، ولا يمكن أن يكتفي منها أو يقنع إلا باللقاء الحسي، لذا عليها ألا
تخدع نفسها، ولتعلم أنه إن لم يكن زواجه منها ممكنا، واستمرت مع ذلك في
علاقتها معه، فإنها تسير نحو الفاحشة بخطا واسعة.
11- الحب الذي
لا ينتهي بالزواج إما أن ينتهي لعلاقة غير شرعية تدمر الطرفين، أو ينتهي
بفراق وآلام وعذاب يحطم القلب وتبقى آثاره السلبية مؤثرة على الانسان حتى
بعد زواجه في المستقبل.
12- ليس شرطا
للزواج الناجح مطلقا أن يبنى على قصة حب، ودراسة ميدانية لأحوال المتزوجين،
تكشف أنه لا فرق أبدا في السعادة الزوجية بين من يتزوج عن حب وبين من
يتزوج عن طريق تقليدي، فالشرط الهام للسعادة الزوجية هو حسن الاختيار،
فحيثما توفر توفرت.
منقول ..